الاثنين، 1 فبراير 2016

حكايتي مع صديقي .. محمد ربيع



منذ أن عرَّفني به صديقي (أحمد يوسف) من خلال جروب القراءة الخاص بنا على فيس بوك منذ أكثر من عام، وأنا أتمنى لقاءه ..
ومنذ أن رأيت تعليقه الأول وتقييمه للمجموعة القصصية (أنا الملك جئت) للكاتب بهاء طاهر، أدركت أنني أمام شخص مثقف من الطراز الأول ..
ومنذ أن بدأ في التفاعل والنقاش على الجروب لأكثر من كتاب بعد ذلك، عرفت أن الجروب قد ربح شخصا سيثري النقاش ويعلي من مستواه ..
وبعد أن قابلته بالأمس لأول مرة، تيقنت أنني قد ربحت إنسانا استثنائيا وصديقا قلما يجود الزمان بمثله ..
كان لقاؤنا بالإمس في مكان من أحب الأماكن إلى قلبي وعقلي، وفي حدث أنتظره بفارغ الصبر من العام إلى العام .. المكان هو: أرض المعارض بمدينة نصر، والحدث هو: معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته السابعة والأربعين ..
سعادتي لا توصف لأن المقابلة الأولى معه سترتبط في ذهني إلى الأبد بمعرض الكتاب .. ذلك الحدث الذي أعتبره عيدا حقيقيا يأتي مرة واحدة فقط كل عام .. ذلك الحدث الذي لم أنقطع عنه - منذ أن اصطحبني والدي معه إلى المعرض للمرة الأولى عام 1991 - إلا عندما سافرت خارج مصر لظروف العمل .. وكم أعجبني ذلك الوصف الذي وصف به محمد ربيع بالأمس معرض الكتاب بأنه: ''ذلك العيد الذي لا يرتبط بدين أو بجنسية'' .. أربعة عشر يوما من المتعة الذاتية والسعادة الصافية .. أربعة عشر يوما تهون علي كثيرا من الإحباطات والمعاناة التي يشعر بها المواطن على أرض هذا البلد .. فبمجرد أن أجتاز بوابة المعرض الرئيسية، أشعر بأنني قد انفصلت عن العالم الموجود خارج أسوار المعرض ودخلت إلى عالمي الخاص الذي أشعر فيه بنفسي وأحس فيه بسعادتي الحقيقية والذي أتمنى لو أعيش فيه ما حييت.

مكثنا معًا خمس ساعات متواصلة لم أشعر فيها بلحظة واحدة من الملل .. فمنذ اللحظة التي استقبلني فيها محمد داخل المعرض ببشاشة وترحاب وخفة ظل وحتى لحظة افتراقنا، شعرت معه كأننا أصدقاء منذ سنوات ولم أشعر معه بذلك الحرج والتكلف اللذين يغلفان أي حديث بين أي شخصين يتقابلان للمرة الأولى .. فاجأني بهدية عبارة عن عدة كتب متنوعة بين الرواية والشعر والقصة القصيرة والدينية .. فرحت بهديته فرحة طفل تهديه أول لعبة في حياته .. قمنا بعدها بجولة سريعة في جناح الدار المصرية اللبنانية اشترى منها روايتين على سبيل الفضول لكاتبيهما ولغلافيهما (العتبة كما أطلق عليها محمد، ويقصد بها الانطباع الأول عن أي كتاب والذي يعطيك الحافز إما لشرائه وإما لتجاهله) .. ثم حضرنا جزءا من ندوة كان ضيفها رئيس الحزب المصري الاشتراكي تحدث فيها عن أن مشكلة مصر الكبرى تتمثل في التعليم الذي إن انصلح صلح البناء كله وإن فسد أفسد كل البناء، ثم بدأ الحديث عن العلمانية وأهميتها بعد فشل التجربة ''الإسلامية'' في مصر وضرورة إرسائها - أي العلمانية - كنظام حياة بعدما أفسدتها وعطلتها الأساطير (يقصد الدين) !! .. بالطبع لم يعجبنا الجزء الأخير من الكلام فآثرنا عدم تضييع المزيد من الوقت.
توجهنا بعد ذلك إلى مقهى المعرض واحتسينا القهوة التركية بينما أستمع إلى محمد في استمتاع ونشوة بالغين .. كان الحوار شيقا وممتعا وتحدثنا في كل شيء تقريبا .. الأدب .. السياسة .. الدين .. الفن .. الرياضة .. السفر .. العمل .. المولد النبوي .. العمل التطوعي .. بنها .. الفيوم .. الغردقة .. شرم الشيخ .. أحمد يوسف .. باولو كويلهو .. عم أمين الديب .. الموت .. القدوة .. ألمانيا .. هولندا .. فرنسا .. القراءة .. محمد صبحي .. مسرح مصر .. أسرة رسالة.
سَرَقَنا الوقت ولم نشعر بمرور أكثر من ساعتين إلا بعد أن فوجئنا بعامل المقهى يستأذننا في المغادرة لأن وقت إغلاقه قد حان.
خرجنا من المقهى وجلسنا على أحد المقاعد في الهواء الطلق مع نسمات ليل الشتاء الباردة والتي لم أشعر بها مع دفء الحديث .. احتسينا الكابتشينو ثم غادرنا المعرض في العاشرة مساء بينما يغلقون الأبواب خلفنا .. أوصلته إلى محطة القطار في رمسيس كي يلحق بالقطار المتجه إلى بنها، ولم أنس نصيحته لي قبل رحيله: ''اكتب بلا توقف .. وفتش عن الإيجابيات''.
لا تزال نصيحته تلك تتردد في عقلي منذ أن فارقته بالأمس .. وآمل ألا يخيب ظنه في.

لم تكن هذه كل الحكاية مع محمد ربيع .. لكنها كانت فقط البداية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق