الأحد، 29 نوفمبر 2015

كتاب (شكلها باظت) - عمر طاهر



سيظل عمر طاهر على رأس جيل الكُتَّاب الشباب الثمانيناتي والتسعيناتي، وأفضل من كتب – ولا يزال – بلسان جيلنا، فدائمًا ما يُعَبِّر بأسلوبه الساخر الجريء عن طفولتنا وذكرياتنا وأفكارنا وأحلامنا وطموحاتنا، ودائمًا ما يرسم بقلمه الرشيق صورةً مدهشةً لكل مظاهر حياتنا، ولا يكاد يدع موقفًا أو حدثًا إلا صاغه بأسلوبه السلس .. وأكاد أتخيله وهو ممسكٌ بمفكرةٍ صغيرةٍ يحملها دائمًا في حقيبته، لا تفارقه أينما ذهب ليُسَجِّل بها كل شاردةٍ وخاطرةٍ وكل مصطلحٍ من مصطلحات جيلنا وكل حدثٍ وكل عادةٍ تخص مجتمعنا ليُكَوِّن قاعدة بيانات ضخمة يستغلها – كلما أراد – في توثيق جميع مناحي حياتنا بطريقةٍ إبداعيةٍ تعطيك صورةً متكاملةً ودقيقةً مُعَبِّرةً عن حياة المواطن المصري المعاصر.
ويُعَدّ كتاب (شكلها باظت) - الذي صدر في طبعته الأولى عام 2003 – خير دليل على ما ذكرته، حيث تجد نفسك بدايةً من مقدمة الكتاب (أنا من البلد دي) تغوص في بحور الذكريات لتصل إلى شواطئ الطفولة بكل تفاصيلها ومظاهرها التي صاحبتنا من إعلاناتٍ وبرامجَ وأفلامٍ ومسرحياتٍ وفوازير ارتبطت بالتليفزيون المصري (المصدر الوحيد للتسلية في زمن ما قبل القنوات الفضائية)، وأغاني ومطربين ولاعبي كرة وجرائدَ ومجلاتٍ وكُتَّابٍ .. ليجذبك عمر طاهر بهذه المقدمة "النوستالجية" الذكية إلى فصول كتابه الذي فصَّل فيه أغلب ظواهر المجتمع المصري المعاصر .. بدايةً من مفردات هذا الشعب التي يتفرد بها عن غيره من شعوب هذا الكوكب المزعج لجيرانه في المجرة، وسلوكيات هذا المواطن في الشارع .. مرورًا بالعلامات المميِّزة لأي فيلمٍ مصري ولمباريات كرة القدم في ملاعبنا ولمانشيتات صحفنا الغراء .. ثم أبدع في مقارناته بين الموظف وبين السجين في بلدنا .. ثم يأخذك في جولةٍ فريدةٍ للتعرف على أشهر الشائعات التي انتشرت بيننا .. ثم وثَّق العبارات التي تستخدمها كل أمٍّ مصريةٍ أصيلةٍ مع أبنائها المرهِقين عصبيًا .. ثم يشرح لك - دون ابتذالٍ – ثقافة المصريين الجنسية ووسائل الحصول عليها ومراحل تطورها .. ثم يصل بك إلى أكثر فصول الكتاب إبداعًا – من وجهة نظري – عندما عقد مقارنةً رائعةً بين زواج الصالونات والزواج عن حب .. ليقودك بعدها لأشهر الكذبات التي يلجأ إليها كل زوجٍ مصري مع زوجته، فأعطى بذلك وصفة تفصيلية مجانية للزوجات لا أدري كيف سنكذب بعدها على زوجاتنا بعدما كشف لهن قدس أقداسنا وفضح وسائلنا في الكذب – الأبيض طبعًا – عليهن .. ثم يدخل بك بعد ذلك في شرحٍ تفصيلي مبهرٍ لحياة الكائن العازب في مصر ودورة حياته أثناء فترة العزوبية .. ثم منه إلى بعض المواقف المحرجة أثناء الخطوبة، والتي لم تكن صراحةً بنفس مستوى إبداعه حين تحدث عن الزواج ثم عن حياة العازب .. ثم أسهب في تفصيل كل ما يتعلق بالكائن المُدَخِّن – بحكم كونه حريقة سجائر – وللأمانة لم أهتم كثيرًا بتفاصيل هذا الفصل ولم أستمتع بها – بحكم كوني الكاره الأول لأسوأ اختراع عرفته البشرية عبر تاريخها الطويل، وهو السيجارة.
ثم جنح عمر طاهر في الفصل التالي بخياله وابتكر وزاراتٍ افتراضيةً غير تقليديةٍ تحتاجها البلد مثل وزارة "الدماغ" ووزارة "دلع المواطن" ووزارة "العيال الجديدة" ووزارة "العاطلين"، وكلها – كما ترون – وزارات لا غنى عنها في ظل المتغيرات التي يمر بها المواطن المصري في هذا الزمن المهبب الذي نعيش فيه.
وأعجبني إبداعه في فصل (بحب تراب البلد) وتحليله الرائع لتوصيف التراب في هذا البلد وأنواعه ومسبباته وأسباب تقديسنا له للدرجة التي جعلته – أي التراب – رمزًا خالدًا وأيقونةً مميزة في أغانينا الوطنية، ومثلاً يُضرب في عشق مصر.
ثم أنهى عُمَر كتابه بـ "اختبار كشف الجيل" الذي طرح فيه عشرين سؤالاً لن تعرف إجاباتها إلا إذا كنت من أبناء جيلنا.
باختصارٍ .. لن تجد من وصف مفردات حياة الشاب الثمانيناتي والتسعيناتي كما وَصَفَها وفصَّلها عمر طاهر في كتابه "شكلها باظت" .. كتابٌ لن تتركه من يدك إلا وقد تفاجئت بأنك قد أنهيته حتى الجلدة الأخيرة في رحلةٍ ممتعةٍ دون مللٍ أو ضجرٍ، كأنك كنت تستقل آلة الزمن .. كتابٌ يمكن توصيفه بإيجازٍ بأنه "تويتات في زمن ما قبل التويتات" أو بأنه "تويتات من زمن فات".
شكرًا .. عمر طاهر

السبت، 28 نوفمبر 2015

لن أكون منساقًا مرة أخرى

علَّمتني الثورة ألا أنجرف وراء أشخاصٍ أو أحزابٍ أو جماعاتٍ .. فكم من شخص أبهرني حلو حديثه ورجاحة عقله وروعة أفكاره التي تشع حبًا للوطن، ثم أثبتت لي الأيام زيفه، وكشفت المواقف قناع خديعته وكذبه .. (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَىٰ مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ) [البقرة – 204].

علَّمتني الثورة .. ألا أكون ساذجًا منساقًا مرةً أخرى.


الأحد، 22 نوفمبر 2015

المجموعة القصصية (سُمَّار الليالي) - يوسف السباعي



بدايةً .. سيكون تقييمي لـ (سُمَّار الليالي) متحيزًا للمبدع يوسف السباعي وكلامي عنها سيكون مجروحًا نظرًا لعشقي منذ صغري لقراءة أي شيء تقع عليه يدي ليوسف السباعي.
منذ أن تبدأ في قراءة إهدائه في مقدمة كتابه، ستدرك أنك مقبل على وقت ممتع من القراءة بين دفتي الكتاب .. فدائمًا ما تكون إهداءات يوسف السباعي في جميع رواياته متميزة وبها فكرة غير تقليدية تجذبك وتشوقك للبدء في قراءة محتوى روايته.
ومنذ الوهلة الأولى لقراءتك (سُمَّار الليالي)، يمكنك أن تستنبط أهم ما يميز أسلوب كتابة يوسف السباعي:

أولاً: تتميز أغلب كتاباته بأنها تتمحور حول حكمةٍ ما تدور حولها أحداث القصة، ودائمًا ما يضع اقتباسًا من أحداث قصته تحت عنوان القصة مباشرة، يكون الهدف والحكمة المقصودة من قصته داخل هذا الاقتباس.
ثانيًا: يتميز أسلوبه في الكتابة بأنه (سهلٌ ممتنعٌ)، ساخر أحيانًا، به خفة ظلٍ محببة إلى النفس دون مبالغة، تعكس شخصية كاتبها صاحب الثقافة الواسعة.
ثالثًا: تتضح ثقافة الكاتب الدينية وتأثره بمفردات القرآن الكريم في كثير من المواضع .. مثل: (قلوب واجفة .. ونفوس حائرة راجفة) .. (وجوه عليها غبرة .. ترهقها قترة .. عاملة ناصبة، ثائرة غاضبة، ليس لهم طعام إلا من ضريع، لا يسمن ولا يغني من جوع .. أضناهم اليأس، وأذلتهم المسغبة .. وهم الذين منوا نفوسهم بكل ما يشتهون من حور عين، وخمر مسكوبة، لا مقطوعة ولا ممنوعة) .. (وخُيِّل إلى قائدهم أن الأرض قد مُدت وألقت ما فيها وتخلت) .. (وهرع الناس إلى دورهم كأنهم حمر مستنفرة، فرت من قسورة) .. (بل اندفع كأنه قذيفة من جهنم لا تبقي ولا تذر) .. (ولكن عينيه كانتا قد سُمرتا في جسدها لا تبغيان عنها حِولا) .. (تؤنس وحشتي، وتعلمني ما ليس لي به علم) .. (ولا يستقر على زبد يذهب جفاء) .. (قد تنفع الذكرى) .. (وآواه إلى حجرته فأطعمه من جوع وآمنه من خوف).
رابعًا: تحتوي جميع قصص يوسف السباعي على الكثير من الحِكَم والعبارات التي تستحق أن تسجل.

وأعيب على (سُمَّار الليالي) سذاجة بعض قصصها أحيانًا، ومباشرة الهدف والغرض الذي تُبنى عليه أغلب القصص .. ويمكن أن يكون ذلك بسبب أن (سُمَّار الليالي) كانت من بواكير أعمال يوسف السباعي حيث لم يكن فكره القصصي قد نضج بعد.

تقييمي النهائي 7.5 من 10.

الأربعاء، 11 نوفمبر 2015

رواية (الفرسان الثلاثة) - ألكسندر ديماس



تقييمي للرواية في كلماتٍ بسيطةٍ:

مثيرةٌ في أحداثها، محكمةٌ في حبكتها، وإن كان الحوار يصل في بعض المواضع إلى حد السذاجة التي لا تقنع طفلاً صغيراً .. مُركزةٌ في تفاصيلها دون إطالةٍ فلا تصيب بالملل، متنوعةٌ في شخصياتها .. أعتقد أن الترجمة العربية للرواية لم تكن بالصورة المثالية التي توصل للقارئ العربي نفس معاني وانطباعات النص الفرنسي الأصلي للرواية أو حتى ترجمته الإنجليزية.
أتعجب من تعامل معظم الشخصيات داخل الرواية مع (الزوجة/العشيقة) بطريقةٍ عاديةٍ وكأنه أمرٌ بديهيٌ في مجتمع القرن السابع عشر في أوروبا.

تقييمي بالدرجات 6 من 10.