الخميس، 18 يونيو 2015

رواية (أولاد حارتنا) - نجيب محفوظ



باختصارٍ .. الرواية لم تكن تستحق كل الضجة التي حدثت حولها .. لا شك أن شخصيات أدهم وجبل ورفاعة وقاسم مستوحاة من قصص أنبياء الله آدم وموسى وعيسى ومحمد .. المشكلة التي حدثت وسوء الفهم الذي نتج عن الرواية هو أن الناس حاسبت نجيب محفوظ على أن أدهم هو آدم .. وإدريس هو إبليس .. وقدري هو قابيل .. وهمام هو هابيل .. وجبل هو موسى .. ورفاعة هو عيسى .. وقاسم هو محمد .. والجبلاوي - حاشا لله - هو الله .. من قال أن هذه الشخصيات الخيالية هي نفسها نفس الشخصيات الحقيقية التي ذكرتها؟! .. لا يجب أن نحاسب أديبا على رواية بها شخصيات خيالية مستوحاة من شخصيات حقيقية وننصب له المشانق لأننا نتعامل على أن الشخصية الخيالية والحقيقية هما شخص واحد .. بينما الأديب يقول إن هذا شخص وذاك شخص آخر تماما !!
ثم من قال أن الجبلاوي هو الله؟! أذكر عندما توفي الجبلاوي في نهاية الرواية أن أحد أشخاص الحارة قال: ''الله يرحمه'' .. فلماذا حاسب الناس نجيب محفوظ أن الجبلاوي هو الله؟!.
وقد قال نجيب محفوظ نفسه عن الرواية: إن رواية أولاد حارتنا التي أساء البعض فهمها لم تخرج عن هذه الرؤية .. إن أي مشروع حضاري عربي لا بد أن يقوم على محورين: الإسلام الذي هو منبع قيم الخير في أمتنا، والعلم الذي هو أداة التقدم والنهضة في حاضرنا ومستقبلنا.
ولقد كان المغزى الكبير الذي توجت به الرواية أحداثها .. أن الناس حين تخلوا عن الدين ممثلا في ''الجبلاوي''، وتصوروا أنهم يستطيعون بالعلم وحده ممثلا في ''عرفة'' أن يديروا حياتهم على أرضهم (التي هي حارتنا) .. اكتشفوا أن العلم بغير الدين قد تحول إلى أداة شر، وأنه قد أسلمهم إلى استبداد الحاكم وسلبهم حريتهم .. فعادوا من جديد يبحثون عن ''الجبلاوي''.
وأنا أتفق مع تفسير نجيب محفوظ بأن الجبلاوي هو رمز للدين وليس رمزا لله.
وأذكر في هذا الصدد مقولة للإمام محمد عبده يقول فيها: ''لقد اشتهر بين المسلمين وعرف من قواعد أحكام دينهم، أنه إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مائة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حمل على الإيمان ولا يجوز حمله على الكفر''.

ولا أخفي سرًا أنني كنت خائفًا من قراءة الرواية منذ زمنٍ وكان لدي انطباع مسبق عنها بأنها (فيها لبش وعك) .. لكن بعد قراءتها تغير رأيي تمامًا، وأصبح رأيي الآن عن بينة .. وأدعو كل من لم يقرأ الرواية وأعطاها حكمًا وانطباعًا مسبقًا بأن يقرأها ويعيد حكمه عليها بعد القراءة.

الأحد، 14 يونيو 2015

قواعد الاحترام الأربعون - القاعدة الخامسة والعشرون

تتسلسل الشياطين في رمضان .. لا شك في هذا .. لكنها قبل أن تتسلسل فإنها تترك وكلاءها من شياطين الإنس أحرارًا طُلَقاء ليحلوا محلهم خلال الشهر الفضيل.
فبنظرةٍ سريعةٍ على الإعلانات على جانبي الطريقين الدائري والمحور، فسوف تدرك أن الشياطين قد بدأت عملها مبكرًا قبل بداية الشهر الكريم عن طريق صور أبطال وبطلات ''مسلسِلات'' رمضان التي تتصدر كل الإعلانات على الطريقين، لكي يجتذبوا الزبائن ويقوموا بتحفيظهم عناوين وأ
سماء أبطال وبطلات ''المسلسِلات'' التي سوف ''تسلسل'' الصائمين أمام الشاشات أربع وعشرين ساعة كل يومٍ من أيام شهر رمضان.
ثم نظرةٌ سريعةٌ أخرى بين قنوات الهري الفضائية، لكي تدرك أنك مُحَاصرٌ لا محالة بتلك الإعلانات مرةً أخرى ولكن في صورة ''بروموهات'' جذابةٍ شيقةٍ تجعلك منتظرًا في شغفٍ بداية شهر رمضان كي تبدأ في متابعة هذا "المسلسِل" المبهر، وتلك الفنانة الفاتنة، وتلكما البطلتين المشاكستين، وهذا البطل الوسيم، وهذا البرنامج الذي تدور مقالبه في الجو بعد أن تابعوا حلقاته في الأعوام السابقة والتي دارت رحاها فوق الأرض مرةً وتحت الأرض تارةً وفي البحر تارةً أخرى، وهذا وتلك و.......إلخ.
وهكذا فقد اطمأن إبليس وأتباعه من الشياطين أنهم سوف يسلسَلون بالأغلال بينما سينامون ملء أجفانهم شهرًا كاملاً وفي بطونهم بطيخٌ صيفيٌ من النوع الممتاز .. معتمدين على رجالهم من شياطين وشيطانات الإنس الذين يؤدون أدوارهم بمهارةٍ منقطعة النظير .. بل ويزدادون مهارةً عامًا بعد عامٍ حتى تفوَّقوا على ساداتهم من شياطين الجن.

هنيئًا لكل من استطاع أن يقاوم هذا العبث السنوي وتفرغ للهدف الرئيس من هذا الشهر وهو العبادة والتقرب إلى الله .. وتعسًا لكل من سقط في براثن وشباك شياطين الإنس والجن .. ''خاب وخسر من أدرك رمضان ولم يُغفر له'' .. صدقت يا حبيبي يا رسول الله.

احترموا شهر رمضان ..
احترموا قدسية أيامه المباركة ..
احترموا ربكم .. واحترموا شهركم .. تفوزوا بالغفران.

الجمعة، 12 يونيو 2015

قواعد الاحترام الأربعون - القاعدة الرابعة والعشرون



﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾ ؟! [الرحمن - 60].

تساؤلٌ - في ظاهره السؤال وفي باطنه الإجابة - من رب العالمين لعباده المحسنين الصالحين .. ليس لأنه ينتظر منهم إجابةً بنعمٍ أو لا على هذا السؤال .. لأنه في الحقيقة سؤالٌ لا يحتمل إلا إجابةً واحدةً: بلى يا رب، ليس جزاء الإحسان إلا الإحسان.
والمقصود باﻹحسان الأولى، هو كل ما يرتضيه الله من عبده من أعمالٍ صالحةٍ في الدنيا .. أما المقصود بالإحسان الثانية، فهو إحسان الجزاء في الآخرة من الله لعبده الصالح .. يقول تعالى: ﴿لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى﴾ [النجم - 31].

وهذا مبدأٌ قرآنيٌ وقاعدةٌ إلهيةٌ أخرى من قواعد احترام الله لعباده الصالحين .. فالعمل الصالح من العبد (إحسان العبد) = رضا الله ومكافأته بالجنة (إحسان الله).

ومن الاحترام أن نطبِّق ذات القاعدة مع بعضنا البعض، فمن اجتهد وأخلص في عمله وجب على رب العمل أن يكافئه .. ومن أدى لي خدمةً وجب عليَّ أن أكافئه نظير خدمته ولا أبخسه حقه .. بذلك نكون قد اقتدينا بالعدل الإلهي ونكون من المحترمين.