السبت، 29 أغسطس 2015

رواية (صالح هيصة) - خيري شلبي



هي روايةٌ من تلك الروايات التي تعتمد على تيمة ترميز مصر والمجتمع المصري وإسقاطهما على مكانٍ ما، شأنها في ذلك شأن الكثير من الروايات مثل مدرسة الأديب علاء الأسوانى في رواياته الثلاثة: شيكاجو وعمارة يعقوبيان ونادي السيارات.
وفي روايتنا هنا نجد أن قهوة حكيم هي التي ترمز إلى الوطن الكبير مصر في فترة السبعينات، وتجمع داخل جدرانها وحدودها جميع فئات الشعب على كل شكلٍ ولونٍ بكل توجهاته الفكرية والثقافية والسياسية وبكل فروقاته الاجتماعية وتباين مستوياته الاقتصادية.
بينما نجد أن شخصية (صالح هيصة) ترمز للمواطن المصري البائس الذي يملك العقل الراجح الذي يعي ويحلل جيدًا كل ما يجري حوله من أحداث .. ويملك الفكر المستنير الذي يجعله يمنح الرأي والنصيحة الرشيدة عند طلبها .. ويملك التدين الذي ظهر وقت الشدة حين راودته (حياة البري) عن نفسها فأعرض عنها وقال إني أخاف الله .. ويملك ''جدعنة ابن البلد'' الذي يهب لنجدتك إذا ما وقع أحدٌ في مأزقٍ أو تعرض صديقٌ لمكروهٍ .. ويملك الحكمة التي وهبتها إياه تجارب الحياة وصعابها في بلد ملئٌ بالمشاكل اليومية في كل نواحي الحياة.
لكنه ومع كل ما سبق فإنه قد وقع ضحية الظروف المعيشية الصعبة والفقر الذي نشأ فيه في صغره، ووقع ضحية أبٍ أهمل في تربية أبنائه، ووقع ضحية الحب الذي ذهب أدراج الرياح وأودى به إلى حافة الجنون، ووقع ضحية الظروف السياسية في مصر من احتلالٍ ثم نصرٍ ثم معاهدة سلام قسَّمت أبناء الوطن الواحد وأبعدت مصر عن مائدة العرب .. كل هذا جعل منه إنسانًا يعيش بلا هدفٍ بتغييب عقله بإرادته عن طريق الوقوع أسير المخدرات وعمل ''خلطة الهيصة'' التي تذهب به إلى عوالمَ أخرى موازيةٍ لا تمت لعالمنا في شيءٍ هربًا من واقعٍ مريرٍ وحياةٍ ذليلةٍ في بلدٍ لا كرامة فيه لأبنائه.
وأعيب على الكاتب تصويره لكل الشعب المصري تقريبًا بأنه شعبٌ غارقٌ في المخدرات من أعلى رأسه حتى أخمص قدميه، وهو ما يخالف الحقيقة، فربما يكون هناك الكثيرون الذين يتعاطون المخدرات لكن في المقابل يوجد أيضًا نسبةٌ كبيرة ٌ لا تقرب مجرد السيجارة.
كذلك أعيب على الرواية كثرة شخصياتها الثانوية التي كان يمكن اختصارها في عددٍ أقلٍ، ففي النصف الأول من الرواية حدث أكثر من مرة أن اختلطت عليَّ أسماء الشخصيات، ما كان يجعلني عند كل توقفٍ مؤقتٍ أن أسترجع بضع صفحاتٍ للوراء كي أتذكر من كان (قمر المحروقي) أو (طلعت الإمبابي) أو (أحمد عاصم) أو (مصطفى لمعي) أو (إبراهيم القماح) أو (وجيه فرحان).

هل لاحظتم أن راوي الرواية لم يظهر اسمه أو شخصيته طوال أحداث الرواية؟!

عامةً الرواية جيدة وأمنحها 7 من 10.