الاثنين، 16 فبراير 2015

كتاب (رأيت الله) - مصطفى محمود



رأيت الله .. كتاب ينقلك إلی عالم الصوفية بقليل من الشطحات وكثير من الخواطر والنفحات النورانية للإمام محمد بن عبد الجبار بن الحسن النفري، والتي لخصها لنا د. مصطفی محمود ونقلها عن كتاب (المواقف والمخاطبات).
ورغم صغر حجم الكتاب، وتوقعي وتقديري المسبق بأن قراءته لن تستغرق أكثر من أربعة أيام، إلا أنني استغرقت أسبوعين كاملين لقراءته، وذلك لاضطراري إعادة قراءة معظم الفقرات أكثر من مرة في محاولة لاستيعاب مراد الكاتب من وراء الكلمات .. وصدق د. مصطفى محمود عندما قال في مقدمة الكتاب: ''والكتاب لخاصة الخاصة الذين يحبون التأمل ويعيشون مع الحرف ويصاحبون المعاني وليس للعوام الذين يقرأون للمتعة العابرة''.
وأعترف أن هناك الكثير من الكلمات والمعاني استعصی علي فهمها .. فإذا كان د. مصطفى محمود نفسه يقول في خاتمة الكتاب: ''والسبيل الوحيد إلی شرح النفري هي العودة إلی قراءة النفري من جديد بتأمل واستغراق .. وقد مضت علي خمس سنوات وأنا أقرأ النفري وما زلت أخرج منه كل يوم بجديد''.
فأين أنا من د. مصطفی حتی أفهم كثيرا مما جاء بالكتاب من مرة واحدة؟!


وفي نفس الوقت، فإنني أختلف مع د. مصطفی ومع النفري في بعض النقاط، تتمثل في الآتي:
1- أعترض علی أسلوب سرد الخواطر للنفري، والذي يشعر معه القارئ أن ما يكتبه من خواطر هو وحي منزل إليه من الله .. مثال ذلك قوله: " يا عبد إني أنا الله جعلت في كل شيء عجزا وجعلت في كل عجز فقرا'' .. فالقارئ سيخيل إليه أن هذا كلام موحی من الله، وقليل التعمق في القرآن سيظن أنها آية من القرآن أو حديث قدسي .. وكان الأفضل والأصح أن يتخذ النفري أسلوب السرد علی لسانه هو لا علی لسان الله، فتكون بالصيغة التالية: " يا الله إني أنا عبدك، وأعلم أنك جعلت في كل شيء عجزا وجعلت في كل عجز فقرا''.
مثال آخر من الكتاب في قوله: "لن تراني حتی تراني أفعل ولن تری فعلي حتی تسلم لي'' .. وكان الأصح أن يقول: ''لن أراك حتی أراك تفعل ولن أری فعلك حتی أسلم لك'' .. وهكذا.

2- يقول النفري في باب (هو): ''هو حقيقة هي هو فلا تعبر عنه هو حرفية ولا تخبر عنه هو لفظية'' .. وعلق د. مصطفی علی ذلك قائلاً: ''لأن هو اللفظية تعني المذكر والله ليس بالمذكر ولا بالمؤنث''.
وأعترض علی هذا التفسير، لأن الله قد ذكر نفسه في القرآن الكريم بصفة المذكر في جميع المواضع، مثل: (هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس ....) .. (وهو القاهر فوق عباده وهو الحكيم الخبير) .. (قل هو الله أحد) .. (وقال ربكم ادعوني أستجب لكم) .. (الله لا إله إلا هو الحي القيوم) ... وهكذا في كل المواضع.

3- أعيب علی الكتاب عدم الإكثار من وضع علامات التشكيل علی الحروف في كثير من المواضع التي تحتاج للتشكيل .. ومثال ذلك قول النفري في باب (عن الحجاب): ''حجابك نفسك وهو حجاب الحجب إن خرجت منها خرجت من الحجب وإن احتجبت بها حجبتك الحجب'' .. فقد يحدث خلط بين كلمة (الحَجْب) بمعنی المنع، وكلمة (الحُجُب) جمع حجاب .. فكان يلزم وضع علامات التشكيل لمنع الالتباس.

4- يقول النفري في باب (الحرف): ''يا عبد لا إذن لك ثم لا إذن لك ثم سبعون مرة لا إذن لك أن تبوح بما استودعتك من أسرار حروفي وأسمائي .. ولا كيف تدخل إلی خزانتي ولا كيف تقتبس من الحرف حرفا بعزتي وجبروتي .. ولا كيف تراني''.
وعقب د. مصطفى علی هذه الخاطرة في نهاية الكتاب قائلا: " وهنا يصل بنا النفري إلی حافة الغيب المغيب حيث كل شيء محظور إلا علی أهله .. ولا يذكر لنا النفري ماذا يرى في حالات التجلي والرؤية القلبية فهي من الأسرار المحظورة''.
أعتقد أن في هذا نوع من رفع مرتبة ''العارفين أصحاب الوقفة أهل الأسرار والمجالسة'' - كما وصف النفري أعلی مراتب أهل الصوفية - ورفعهم بذلك لأعلی من مراتب الأنبياء .. حيث اعتبر أنه من المحظور عليهم وغير المسموح أن يبوحوا بما يصلوا إليه من أسرار وتجليات عند أقصی درجات الوصال مع الله، واعتبر أنهم بذلك قد وصلوا إلی حافة الغيب.
وفي ذلك تجاوز ما بعده تجاوز من وجهين .. الوجه الأول: أن لا أحد يطلع علی الغيب إلا عالم الغيب مصداقا لقوله تعالی (وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو) ، وقوله أيضاً (عالم الغيب فلا يظهر علی غيبه أحداً) .. والوجه الثاني: أنه لا خير في كاتم العلم كما أخبرنا بذلك سيد المرسلين .. فكيف يعقل بعد ذلك أن يطلب الله من عبد بلغ أعلی درجات الوصال معه أن يحجب علمه عن باقي البشر؟!

5- يقول د. مصطفی محمود في تعقيبه علی خواطر النفري في آخر الكتاب: ''وأي شرح للنفري هو نوع من المصادرة والحجر وهو إفقار وليس إخصابا لمعانيه فكل كلمة من كلمات النفري بحر أعد لكي ينهل منه كل واحد علی قدر سعة فمه وعلى قدر سعة قلبه واستعداد بصيرته''.
وأختلف مع د. مصطفى في هذه الرؤية، فالقرآن الكريم الذي هو كتاب الله لم يقل أحد أن محاولة شرحه هي نوع من المصادرة علی معانيه أو إفقار لكلماته، علی العكس فقد تباری المفسرون في تفسير كلماته وآياته منذ نزوله وحتى يومنا هذا وحتى قيام الساعة .. فأين خواطر النفري - مهما عظمت - من كلمات الله في قرآنه حتی يقول د. مصطفى هذا الكلام؟! أعتقد أن الصواب قد جانبه في ذلك.

6- أختلف مع د. مصطفى محمود في منهجه الذي اتبعه مع خواطر النفري، حيث رفض التعليق أو الشرح إلا في أضيق الحدود متعللا بأن ''تبسيط النفري للعوام جريمة'' .. حارما بذلك شريحة عريضة من طالبي العلم - خاصة من يصعب عليهم أسلوب النفري وفكره - في الاستفادة مما جاء في خواطره من معان خفية وأسرار وتجليات.
وكان من الأفضل أن يضع د. مصطفى تعقيباً وشرحا لكل خاطرة وفقاً لما فهمه واستوعبه عقله الاستثنائي، حتى يستفيد جميع قارئي الكتاب مما ورد فيه.

7- يقول النفري في باب (من أدب المجالسة): ''وجليسي لا يجالس سواي وإن جالس كتابي فارقني وإن جالس سنة نبي خرج من مجلسي .. إنما يخرج إلی السنة والكتاب لضرورة وذلك حينما يجالس العبيد بإذني وتكليفي''.
وكأن الرجوع إلى كتاب الله وسنة نبيه تخرج العبد - الذي وصل إلی مرتبة المجالسة - من مجالسة الله!!


وإجمالاً .. فقد أعجبني الكتاب، ومن أسباب إعجابي به:
1- تفرده في الحالة التي يصنعها بين العبد وربه وفتح آفاق أوسع في سبل الوصول إلى القرب من الله.
2- نجح د. مصطفى محمود في مقدمة الكتاب (رؤية العقل والبصيرة) أن يمهد طريق القارئ إلى خواطر النفري، وتستحق كل كلمة في هذه المقدمة - دون مبالغة - أن توضع في إطار ذهبي في ركن مميز من أركان العقل.
3- أعجبني الشرح ''المقتضب'' للدكتور مصطفى محمود للخواطر في خاتمة الكتاب والذي كنت أتمنى أن يستطرد في شرحه، والذي حاول فيه بإيجاز تلخيص بعض المفاهيم التي وردت في خواطر النفري.
4- أعجبني تعريف النفري وتفريقه بين ''العلم'' و ''المعرفة'' .. بين ''العابد'' و ''العارف'' .. ''مراتب الواصلين'' .. ''خواطر القلب'' و ''محادثة العقل''.

الأربعاء، 4 فبراير 2015

قواعد الاحترام الأربعون - القاعدة الرابعة

مصارحتك لصديقك بما يضايقك منه، أفضل ألف مرةٍ من تجاهله .. احذر من تكرار ذلك ولا يغرَّنك تسامحه معك في المرات السابقة، لأنه ستأتي مرةٌ لن يقبل بتجاهلك له .. ووقتها سيتجاهلك هو إلی الأبد.


الثلاثاء، 3 فبراير 2015