الأربعاء، 6 أبريل 2016

رواية (قرية ظالمة) - محمد كامل حسين



الرواية عبارةٌ عن كتابٍ فلسفي من الطراز الأول، صاغه الكاتب في قالبٍ روائي .. لذلك لا أعتبرها روايةً، حيث أنها تختلف في أسلوبها وعناصرها وحواراتها عن الشكل التقليدي للرواية، وأعتقد أن تقييمها باعتبارها "رواية" سيكون فيه ظلمٌ وغُبنٌ كبيرٌ لها لافتقادها عناصر الرواية المتعارف عليها عند أهل الأدب، والأفضل هو التعامل معها باعتبارها "كتابًا فلسفيًّا" استخدم فيه الكاتب ألعابًا عقليّةً في شكل حواراتٍ ومناقشاتٍ تشحذ العقول وتثير الفكر، تغوص في أعماق النفس البشرية بطباعها وتقلباتها ونظرتها – التي تختلف من شخصٍ لآخرٍ ومن جماعةٍ لأخرى – لعددٍ من المفاهيم الحياتية؛ كالحق والباطل والضمير والحب والعدل والعلم والدين والإيمان والرمز والألم والخير والشر والنظام والحرب والبطولة والخيانة.

وقد استخدم الكاتب - لإيصال رؤيته - حدثًا محوريًا ومؤثرًا في تاريخ البشرية، وهو قضية صلب السيد المسيح عيسى بن مريم عليهما السلام، طارحًا الأمر – بعيدًا عن الجوانب التاريخية والدينية للحدث – من خلال ثلاث زوايا وأُطُرٍ مختلفةٍ، فقسَّم الكتاب لثلاثة أقسامٍ متصلةٍ منفصلةٍ تدور جميعها في اليوم الذي اجتمع فيه بنو إسرائيل لتنفيذ حُكمهم الظالم بصلب المسيح عيسى عليه السلام؛ القسم الأول: عند بني إسرائيل، والقسم الثاني: عند الحواريين، والقسم الثالث: عند الرومان .. وكيف أن كل طرفٍ من الأطراف الثلاثة قد اختلفت رؤيته للحقيقة الواضحة الجليّة (دعوة المسيح ورسالته السماوية)، وكيف انتهى الأمر بإصدار بني إسرائيل الحُكم عليه بالإعدام رغم أنهم أهل دينٍ وقيمٍ، إلا أن تفقههم في الدين لم ينجهم من الضلال لأنهم رفضوا أن يحتكموا إلى "ضميرهم" .. ثم ينقلنا الكاتب لاجتماع الحواريين بعد إصدار الحُكم، وكيف أنهم اختلفوا حول كيفية تعاملهم مع الحدث ودفاعهم عن معلمهم وقائدهم، رغم أنه لم يكن على وجه الأرض وقتها من هم أطهر منهم نفسًا وأعظم خُلُقًا، إلا أنهم كادوا أن يقعوا في الفتنة لولا تدخل الحكيم الماجي.

وخَلَصَ الكاتب في النهاية إلى أن البشر لا يتعظون أبدًا، وسيختلفون حول قضايا ومفاهيم حياتية - قد تبدو بديهيةً - مهما كانت الحقيقة جليّةً، وأرجع ذلك إلى أن هناك ثلاث قوى تعمل في حياة البشر وهي: "القوة الحيوية" وما فيها من غرائزَ وشهواتٍ ونزعاتٍ، و"قوى العقل" وما فيها من قدرةٍ على المعرفة، و"قوة الضمير" وما فيها من إدراكٍ للحق والباطل .. ويرى الكاتب أن كل قوةٍ منهم تحتوي على خيرٍ وشرٍ .. ويرى أن أوجه الخير في القوى الثلاث تتعارض فيمحو خيرُ كلٍ منها خيرَ الأخرى وينجم الشر! في حين أن أوجه الشر في القوى الثلاث تتحد فيشتد بأسها! .. ويرى أن لكل قوةٍ فريقًا يؤمن بأن السيادة يجب أن تكون للقوة التي يؤمن بها فيتعصب لها .. ويرى أن أصل الداء هو أن كل فريقٍ يؤمن إيمانًا مطلقًا بأن القوة التي يتبعها هي الصواب، وأن كل من خالفها فهو على خطأ .. ويرى أن الحل والإصلاح إنما يكون في تهذيب هذه القوى الثلاث كي لا يطغى إحداها على الأخرى، وأن الاعتدال وحده هو الذي يجمع هذه القوى على الحق، فتكون بذلك "القوة الحيوية" مصدر نشاطٍ، وتكون "قوة العقل" دليلاً وهاديًا، وتكون "قوة الضمير" مانعةً لهما من الشطط.

وربط - في خاتمة كتابه – بين تلك النظرية وبين ما حدث من بني إسرائيل والحواريين والرومان يوم جمعة الحُكم بإعدام المسيح، حيث تجمّعت كل عوامل الضلال والخطأ في ذلك اليوم فحدث ما حدث .. فإذا ما تعلم الناس - في يومنا هذا - الدرس المستفاد مما حدث ونجحوا في تجنب عوامل الضلال والخطأ وهذبوا من غرائزهم وعقولهم وضمائرهم، فسوف يرون الحق حقًا والباطل باطلاً .. أما إذا ما تعصب كل فريقٍ للقوة التي يتبعها دون اعتبارٍ لبقية القوى، فسوف يرون الحق باطلاً والباطل حقًا، وبالتالي سيطالبون بإطفاء كل شمسٍ ساطعةٍ وسيعملون على طمس كل آيةٍ بيّنةٍ وصلب كل حقيقةٍ جليّةٍ وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق