الجمعة، 9 أكتوبر 2015

رواية (ثلاثية غرناطة) - رضوى عاشور



لم يحدث أن عشت مع شخصيات روايةٍ، واندمجت مع أحداثها، وامتزجت مع الأماكن التي تدور فيها كما حدث مع رواية ثلاثية غرناطة للرائعة رضوى عاشور، للدرجة التي جعلتني أُنهي قراءتها قبل الموعد الذي ضربته لإنهائها قبل البدء في قراءتها، وهذا نادرًا ما يحدث.
كنت كلما أبدأ في القراءة، أنعزل عن عالمي وعن كل ما يحدث من حولي .. كنت أنتقل بكل حواسي إلى بلاد الأندلس بسحرها، وجمالها، وقصورها، وجنانها،وعزها .. وذلها.
هناك أكثر من مشهدٍ توقفت عندهم أثناء قراءتي للرواية:
المشهد الأول:
 مشهد ترحيل المسلمين من غرناطة منذ أن علم (علي) بالخبر وأخفاه عن جدته (مريمة)، ثم تجهيزه للرحيل، مرورًا بتجمع المُرحَّلين في ساحة غرناطة، ثم مشهد القافلة وهي تُساق خارجة من غرناطة في ذلٍ وانكسارٍ، ومرض (مريمة) وحمل (علي) لها بين يديه عندما لم تستطع استكمال السير على قدميها، ثم موتها ودفن (علي) لها .. لم أستطع استكمال قراءة هذا الجزء من الرواية أكثر من مرة، وتوقفت بسبب دموعي التي انسالت من عيناي - لا شعوريًا - رقراقةً وأنا أتخيل نفسي فردًا من أفراد القافلة المُرَحَّلة.
المشهد الثاني:
 "والله يا أخي ما يعذبني أكثر من السؤال، أين ذهب العرب والمسلمون؟" .. جملة قيلت في الرواية، وسؤال سألته لنفسي أكثر من مرة أثناء قراءتي لما يحدث للمسلمين في الأندلس: أين كان المسلمون مما حدث؟ ماذا فعل مسلمو العراق والشام ومصر والمغرب لمسلمي الأندلس؟ وكيف تركوا الأندلس تسقط بكل هذه البساطة؟!
ثم تذكرت أنني أعيش في زمن سقطت فيه فلسطين في أيدي الصهاينة .. تذكرت أنني أعيش في زمن حدثت فيه إبادة للمسلمين في البوسنة وفي كوسوفو وفي بورما .. تذكرت أنني أعيش في زمن خُرِّبت فيه العراق وسوريا واليمن .. تذكرت كل هذا الذي حدث تحت سمعنا وأبصارنا جميعًا ولم نحرك ساكنًا، فابتلعت سؤالي وزالت دهشتي لما حدث في الأندلس.
المشهد الثالث: 
" - قد تأتينا النجدة.
- انتظرناها مائة عام."
حوارٌ دار في نهاية الرواية بين اثنين من المُرحَّلين من بالنسية .. يُلَخِّص مشهد سقوط الأندلس في زمانهم .. ويلخص مشهد سقوط القدس في زماننا.
المشهد الرابع:
 لا بد أن نُظهر بشاعة ما قام به القشتاليون تجاه مسلمي الأندلس أمام الرأي العام العالمي، من تنصيرٍ وتعميدٍ إجباري للمسلمين، وتغييرٍ للأسماء العربية وتحويلها للقشتالية، وتهجيرٍ قسري من القرى والمدن، واستيلاءٍ على الأملاك، وتجريمٍ لاستخدام اللغة العربية في المحادثات والمكاتبات، وتجريمِ تملك الكتب الإسلامية والعربية، وحرق جميع المصاحف والكتب الإسلامية، وغيرها من الممارسات الإرهابية التي مارسها الأوروبيون أثناء ترحيلهم للمسلمين من الأندلس .. لا بد من إظهار كل ذلك من أجل إيصال رسالةٍ لهم بأنهم أصل الإرهاب ومنبعه .. وكما توجد داعش في عصرنا هذا ، فقد كانوا هم أشد فتكًا وأكثر إرهابًا من داعش وأمثالها.

نهايةً .. كم أشعر بغصةٍ هائلةٍ في حلقي منذ قراءتي لتلك الرواية .. وكم أشعر بتأثير ذلك الخنجر الذي غرسته رضوى في قلبي .. وإنني لمتيقنٌ من أن ذلك الخنجر سيترك أثرًا كبيرًا وجرحًا غائرًا لن يزول أثره من نفسي وروحي وعقلي وقلبي ما حييت.

تقييمي للرواية: 9.5 من 10

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق